من هنا تأتي –في رأيي- أهمية فيلم "سمع هس" للثنائي البديع ماهر عواد وشريف عرفة. حمص وحلاوة، فنانا شوارع، صعلوكان، ينامان على الرصيف أيام، ويقضيان ليلة على فراش متهالك، فيشعران وكأنهما ناما على ريش نعام. يأكلان سمكة بجنيهين، وعندما يغتنيا أيضاً يأكلان سمكة واحدة ولكن بكل ما يملكان من أموال.
زادهما فنهما، والذي لا يحمل سوى المتعة. أغنيتهما اليتيمة ولحنهما الذي ألفاه بمنتهى الذاتية والأريحية عن –ياللعار- نفسيهما:
"أنا حمص حمص يا حلاوة، آخر عفرتة كلي شقاوة، وبقدم نفسي وحلاوة؛ زوجوجتي ونوجة وحلاوة
وأنا هزة وسطي كمان سوستة، أستاذة في الرقص وأسطى، بتجيلي جوابات في البوسطة، بتقولي يا حلاوتك يا حلاوة".
تلك الأغنية هي ما يملكان من فن وأحلام وحب للحياة. لا يستطيعان الحياة بدون أن يقدما ذلك الفن الحقيقي الخالص، الغارق في الخصوصية، لذا كان من الطبيعي، عندما يسرق غندور بك، الفنان الثري –بأمواله- الفقير –عاطفياً وإبداعياً- لحنهما، أن يحيله أغنية وطنية ممجوجة مسفوفة، غارقة في الكليشيهات الفجة والكاريكاتورية، وإن كانت لا تبعد كثيراً عن كثير من الأغاني الوطنية الفعلية والتي تضحك أكثر مما تلهم المشاعر بالحماس، وتعتمد على اجترار شوفينية المستمعين الكامنة، خاصة أوقات التوتر والاحتقان الشعبي، بينما هي أبعد ما تكون عن الفن الحقيقي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق